
البحيرات والانهيار جرت بالجزيرة العربية قبل 9 آلاف سنة
2025-04-07
مُؤَلِّف: خالد
في قلب الصحراء التي تبدو كأنها تمتد بلا نهاية في شبه الجزيرة العربية، كانت الحياة كأنها لم تمر من هنا قط، تخفي الأرض سراً عتيقاً إلى آلاف السنين، حيث لم تكن هذه الربوع مقفرة كما نراها اليوم، بل كانت واحاته خضراء تنبض بالحياة، تعبرها الأنهار وتتلألأ فيها البحيرات، ويتزهر على ضفافها المروج وتتشكل سبل للحياة.
هذا المشهد، البعيد عن ذاكرتنا المعاصرة، لم يكن من نسج الخيال، بل حقيقة علمية توصل إليها فريق دولي من العلماء بعد دراسة دقيقة لمنطقة نادرة في عمق الربع الخالي، إحدى أعظم الصحارى في العالم وأكثرها جفافاً.
وسط الامتداد القاحل، وجد الباحثون آثاراً صخرية محفورة بالماء، تشهد على زمن غابر شهدت فيه الصحراء فصولاً خضراء، قبل نحو 9 آلاف عام، حسب دراسة جديدة نشرت في دورية "كوميونكيجنز إيرث أند إنفورمينت".
وفق الدراسة، فقد وجد الباحثون أنه بين 11 ألف سنة و5500 سنة مضت، مرت صحراء الربع الخالي بفترة مناخية رطبة، وخلال هذه الفترة، هطلت أمطار غزيرة غير معتادة في المنطقة.
تلا ذلك تشكيل بحيرة في قلب الربع الخالي، ويُقدر أنها كانت ضخمة، حيث بلغت مساحتها 1100 متر مربع وعمقها 42 متراً.
وبحسب الدراسة، فإن هطول الأمطار لم يكن ضعيفاً، بل كان أحياناً قوياً وكثيفاً، وهذا أدى إلى تغييرات سريعة واسعة النطاق في المناظر الطبيعية.
ويعتقد العلماء أن مصدر هذه الأمطار هو الرياح الموسمية الأفريقية، والتي أظهرتها الرواسب التي تمكنت من تتبعها على مسافة 1100 كيلومتر، تمتد من جبال عسيير على طول البحر الأحمر.
ومع استمرار هطول الأمطار، فاضت البحيرة، وهنا أدى إلى حدوث فيضان كبير أسفر عن تشكيل واد طويل امتد 150 كيلومتراً عبر الصحراء، وهنا يظهر أن المنطقة لم تكن فقط تحتوي على ماء، بل شهدت نشاطاً مائياً كافياً لنحت تضاريس.
تشير الأدلة التي وجدها الباحثون إلى أن هذه الفترات الرطبة دعمت نمو نباتات المراعي والسافانا، كما وفرت ظروفاً ممتازة لوجود الحيوانات البرية، والأنشطة البشرية مثل الصيد والزراعة.
وبحسب بيان رسمي من جامعة جريفث الأسترالية، فإن ذلك يتجلى في وجود أدلة أثرية وفيرة في الربع الخالي وعلى طول شبكات بحيراتها وأنهارها القديمة.
وخلال تلك الفترة، سكن البشر هذه المناطق، ومارسوا الصيد، وجمع الثمار، وربما تربية المواشي، ساعدت هذه الظروف على توسع التجمعات البشرية داخل أماكن لم تكن مأهولة سابقاً.
وبحلول حوالي 6 آلاف سنة مضت، بدأت الأمطار تتراجع بشكل حاد. نتيجة لذلك جفّت البحيرات واختفت الأنهار وأصبحت المنطقة تدريجياً صحراء كما نعرفها اليوم.
ومع تحول المناخ، اضطر البشر إلى مغادرة هذه المناطق، متجهين نحو أماكن أكثر رطوبة وصلاحاً للعيش، وتغيرت أساليب حياتهم لتتلاءم مع الظروف القاحلة، فاتجهوا من الاستقرار إلى التنقل والرحيل الدائم.
يعيد هذا الكشف تشكيل فهم العلماء لتاريخ المناخ في شبه الجزيرة العربية، ويسلط الضوء على قدرة الإنسان القديم على التكيف مع تغير المناخ، وكيفية تطور الحضارات المبكرة في بيئات قاسية.