الصحة

السياحة العلاجية تزدهر بين أصحاب الشعر الفضي .. رحلة البحث عن الشفاء والتوفير

2025-03-25

مُؤَلِّف: فاطمة

عندما احتاج السيد "جوناتان"، البالغ من العمر 72 عاماً، لإجراء جراحة استبدال الركبة في موطنه بالمملكة المتحدة وجد أن قائمة انتظار التأمين الصحي طويلة للغايه.

لذا سعى "جوناتان" إلى إجراء تلك الجراحة خارج دائرة التأمين، لكنه شعر بالإحباط عندما اكتشف أنه بحاجة إلى ميزانية تصل لنحو 30 ألف جنيه إسترليني (37.8 ألف دولار أمريكي)، وهو مبلغ يفوق إمكانياته التقاعدية بكثير.

لكن بعد بحث مكثف، اكتشف خياراً غير متوقع، وهو السفر إلى تايلاند لإجراء الجراحة بتكلفة لا تتجاوز 10 آلاف جنيه إسترليني (12.6 ألف دولار أمريكي)، وتشمل العملية، والإقامة في المستشفى، وفترة التعافي في منتجع صحي.

بعد وصوله إلى تايلاند، خضع "جوناتان" للعملية في مستشفى حديث مجهز بأحدث التقنيات، تحت إشراف أطباء مدربين دولياً حيث أعجب بجودة الخدمة الطبية وسرعة الاستجابة لاحتياجاته، فضلاً عن الرعاية الشخصية التي تلقاها طوال فترة علاجه.

للإطلاع على مزيد من المواضيع والتقارير في صفحة مختارات أرقام، تضمنت تكاليف العلاج، أتيحت له فرصة الإقامة في منتجع صحي وفر له بيئة هادئة ساعدته على الشفاء، مع برامج متخصصة في إعادة التأهيل الطبي، وهو أمر لم يكن متاحاً له بسهولة في وطنه.

بعد مرور أسابيع قليلة، عاد إلى بلاده وهو يشعر بتحسن ملحوظ، وينفق أقل بكثير مما كان سيدفعه في المملكة المتحدة.

تجربة "جوناتان" لم تكن فريدة من نوعها، بل أصبحت جزءاً من توجه عالمي متزايد نحو السياحة العلاجية، حيث يبحث العديد من المرضى، وخاصة كبار السن، عن خيارات طبية عالية الجودة بأسعار معقولة خارج بلدانهم.

ويتزايد عدد المرضى المسنين الذين يحزمون حقائبهم من أوروبا إلى آسيا، ومن أمريكا إلى أمريكا اللاتينية في رحلة ليست فقط بحثاً عن الشفاء، بل عن التوفير أيضاً.

حجم السوق والنمو المتوقع

من المتوقع أن يصل حجم سوق السياحة العلاجية إلى 93.72 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2025، ليواصل نموه بمعدل سنوي قدره 18.4%، ليبلغ حجمه 218.16 مليار دولار بحلول عام 2030، بحسب تقرير السياحة العلاجية الصادر عن "موردر إنغينس".

ويرجع هذا النمو إلى عدة عوامل منها التكاليف الطبية الباهظة في الدول المتقدمة، والتطورات في التكنولوجيا الطبية والخدمات الصحية في الدول النامية.

كما يُتوقع أن يزداد نمو سوق السياحة العلاجية بفضل عمليات الاستحواذ المتزايدة بين الشركات الكبرى، مثل استحواذ شركة "إيزي ميد" في سبتمبر 2024 على 49% من أسهم "فيليج هولثكير" و30% من "رولنز إنترناشيونال".

وسعت "إيزي ميد" عبر تلك الصفقة إلى الدخول لقطاع السياحة العلاجية عبر دمج خدمات الرعاية الصحية والعافية ضمن عروضها السياحية.

وبلغ عدد المسافرين بهدف السياحة العلاجية في 2024 نحو 7.3 مليون شخص مقابل 6.1 مليون شخص خلال عام 2023.

وفي عام 2024، استحوذت منطقة آسيا والمحيط الهادي على أكبر حصة سوقية في العالم، متجاوزة 25.5%، مدفوعةً بعدة عوامل جعلتها وجهة جاذبة للخدمات الصحية.

وتوجد ضمن تلك المنطقة دول مثل الهند التي تشتهر بجراحات القلب وزراعة الأعضاء والعلاجات التقليدية، وتايلاند التي تقدم إجراءات تجميلية متطورة وعلاجات الأسنان بأسعار منخفضة. أما ماليزيا فتميزت بتقديم خدمات طبية عالية الجودة، خاصة في طب القلب والأورام.

وخارج منطقة آسيا، ينظر إلى المكسيك باعتبارها وجهة مفضلة للمقيمين في الولايات المتحدة لعلاجات الأسنان وجراحات فقدان الوزن.

وفي أوروبا، أصبحت بلدان مثل المجر وبولندا وتركيا وجهات رئيسية للمرضى الأوروبيين الراغبين في العلاجات التجميلية وطب الأسنان، فعلى سبيل المثال، تستحوذ المجر وحدها على 40% من سوق سياحة الأسنان في أوروبا، حيث تقدم علاجات بأسعار تقل بنسبة 50-70% مقارنة بالدول الغربية.

وفي هذا السياق، تقول إليزابيث هنري، 58 عاماً، من المملكة المتحدة "كنت بحاجة إلى زراعة أسنان، وعندما استفسرت عن التكلفة في لندن، فوجئت بأنها تتجاوز 25 ألف جنيه إسترليني (32.3 ألف دولار أمريكي)". وأضربت أنها سمعت عن العلاجات في المجر، وبالفعل حصلت على نفس العلاج هناك مقابل 7 آلاف جنيه فقط (9 آلاف دولار أمريكي)، بما في ذلك الإقامة والاستشارات الطبية.

عوامل تدعم السياحة العلاجية

يُعد كبار السن من أبرز الفئات المستفيدة من السياحة العلاجية، ويرجع ذلك إلى عدة عوامل، أبرزها ارتفاع تكاليف العلاج في بلدانهم الأصلية.

وفقاً للمقال الذي نشرته "ميديكال تورزم كوربوريشين" في يوليو 2024، تتراوح تكلفة علاج السرطان بين 7 و11 ألف دولار أمريكي في دول مثل الهند، بينما تتجاوز التكلفة في الولايات المتحدة 100 ألف دولار.

تشهد الدول النامية طفرة في السياحة العلاجية نظراً لانخفاض تكاليف الخدمات الطبية لديهم مقارنة بالدول المتقدمة.

ويعود انخفاض التكلفة في الدول النامية إلى قلة أجور العمالة، وسهولة الإجراءات التنظيمية والإدارية، وانخفاظ النفقات العامة للرعاية الصحية.

وترى العديد من الدول الآسيوية للسياحة الطبية من خلال الحوافز الضريبية وتسهيلات التأشيرات، مما يخفض التكلفة الإجمالية للمرضى الدوليين.

مقارنة بين متوسط أسعار العمليات الطبية الشائعة في أوروبا مقارنة بآسيا: - - جراحة قلب مفتوح: 25-50 ألف دولار (أوروبا) 7-15 ألف دولار (آسيا) - استبدال مفصل الورك: 15-40 ألف دولار (أوروبا) 6-12 ألف دولار (آسيا) - استبدال مفصل الركبة: 12-35 ألف دولار (أوروبا) 4.5-10 ألف دولار (آسيا) - زراعة الأسنان (لكل سن): 2-5 آلاف دولار (أوروبا) 0.5-1.5 ألف دولار (آسيا) - التلقيح الصناعي: 8-20 ألف دولار (أوروبا) 2.5-6 ألف دولار (آسيا) - إزالة المياه البيضاء: 3.5-7 آلاف دولار (أوروبا) 1.2-3 آلاف دولار (آسيا) في بعض الدول، مثل المملكة المتحدة وكندا، يضطر المرضى إلى الانتظار أشهرًا لإجراء جراحة ضرورية، بينما يمكنهم الحصول على الخدمة فوراً في الخارج.

ميزة أخرى قد تكون في الدول الشهيرة بالسياحة العلاجية، وهي التمتع بالمناخ الملائم للشفاء، حيث يلجأ العديد من كبار السن إلى الدول ذات الطقس الدافئ للاستشفاء بعد العمليات الجراحية، مما يساعد في التعافي السريع.

كما توفر بعض الدول باقات علاجية متكاملة تشمل الفحوصات الطبية، والجراحة، وإعادة التأهيل، إلى جانب خدمات سياحية مريحة.

تحديات تواجه السياحة العلاجية

رغم الفوائد الكبيرة، فإن هناك تحديات تواجه كبار السن عند السفر للعلاج، من بينها المخاطر الصحية أثناء السفر، إذ قد يكون السفر لمسافات طويلة مرهقاً لكبار السن الذين يعانون من أمراض مزمنة مثل السكري أو أمراض القلب.

ومن بين التحديات الرئيسية الاختلافات في المعايير الطبية، رغم أن بعض الدول تقدم خدمات طبية ممتازة، فإن الجودة والمعايير قد تختلف من بلد إلى آخر.

وهناك أيضاً التكاليف الخفية، نعم هناك فارق ضخم في أسعار العلاج، لكن هناك نفقات إضافية مثل تذاكر السفر، والإقامة، وتكاليف المرافقين، قد تزيد من التكلفة الإجمالية.

ومثلاً حاجز اللغة أحد أبرز التحديات التي تواجهها المرضى عند السفر للعلاج في الخارج، وقد يؤدي سوء الفهم بين المريض والطبيب إلى أخطاء في التشخيص أو العلاج، مما يؤثر على جودة الرعاية الطبية المقدمة.

ورغم أن العديد من المستشفيات الكبرى في وجهات السياحة العلاجية توفر مترجمين طبيين، فإن التواصل المباشر يبقى ضرورياً لضمان فهم تام للحالة الطبية والتعليمات العلاجية.

كما أن اللغة قد تكون عائقاً في مرحلة ما بعد الجراحة، حيث يحتاج المرضى إلى متابعة مستمرة وتعليمات دقيقة حول التعافي وتناول الأدوية.

وينطوي قضايا المسئولية الطبية من المخاطر الأساسية في السياحة العلاجية، حيث قد يواجه المرضى صعوبة في تقديم شكاوى قانونية أو المطالبة بتعويضات في حال حدوث أخطاء طبية أو إهمال أثناء العلاج في الخارج.

وتختلف القوانين الطبية وإجراءات التقاضي بين الدول، مما يجعل من الصعب على المرضى المطالب بحقوقهم في حال حدوث مضاعفات أو سوء ممارسات طبية.

إضافة إلى ذلك، قد تظهر بعض المضاعفات الصحية بعد عودة المريض إلى بلده الأم، مما يجعله بحاجة إلى متابعة طبية قد لا تكون متاحة بسهولة أو قد تتطلب تكاليف إضافية، خاصة إذا لم يكن لدى الأطباء المحليين سجل طبي مفصل عن العلاج الذي تلقاه في الخارج.

رغم أن السياحة العلاجية أصبحت ملاذًا للعديد من المرضى الباحثين عن الرعاية الطبية عالية الجودة بأسعار معقولة، فإنها ليست خالية من التحديات.

فالاختلافات الثقافية واللغوية، وقضايا المسئولية الطبية، والمضاعفات المحتملة بعد العودة، تبقى عوامل يجب أخذها في الحسبان.

ومع استمرار تطوير هذا القطاع، قد نشهد حلولاً مبتكرة مثل تعزيز التعاون بين الأنظمة الصحية في الدول المختلفة، ووضع أطر قانونية واضحة لحماية المرضى.