
الهلال والقطايف: كيف اجتمع الشكل الهندسي ذاته في رمزين رمضانيين؟
2025-03-23
مُؤَلِّف: حسن
قبل 3 ساعات، حين الحديث عن رموز شهر رمضان، يبرز الهلال كأحد أقدم الرموز الإسلامية التي تعلن بداية الشهر المبارك، بينما تحمل القطايف مكانة خاصة على موائد إفطار العائلات، حيث أصبحت من أشهر الحلويات الرمضانية.
لكن اللافت للنظر أن الهلال والقطايف يشارкан في الشكل الهندسي ذاته: الهلال، مما يمنحهما ارتباطاً بصرياً وتاريخياً فريداً يجمع بين الروحانيات والاحتفالات الرمضانية.
الهلال ليس مجرد شكل هندسي في السماء، والقطايف ليست مجرد حلوى؛ بل هما انعكاس لثقافة غزيرة متجذرة في ذاكرة رمضان. حيث يشتركان في الشكل والرمزية والتاريخ، مما يعزز فكرة أن الهندسة ليست فقط في المعمار والفنون، بل أيضاً في الطقوس والمأكولات التي نرتبط بها وجدانياً.
الهلال: رمز الزمن والدين
يعتبر الهلال الشكل الأول الذي يعتمد عليه المسلمون في تحديد بداية الأشهر القمرية، ومن بينها شهر رمضان. فقد ارتبط هذا الشكل منذ العصور الإسلامية المبكرة بالزمن، والتقويم الهجري، وحتى بفن العمارة الإسلامية.
يستخدم الهلال للإشارة إلى بداية الشهر العربي تحت اسم "الهلال الجديد"، وفي نهايته يُسمى "الهلال القديم". يمكن رؤية الهلال الجديد في الأفق الشرقي قبيل شروق الشمس، ويُعتبر من التسميات القديمة التي استخدمها العرب الجنوبيون في عصور سابقة.
ولقد كان أول الفلكيين المسلمين يهتمون بهذا الرمز، حيث كان يستخدم لتحديد بداية الشهور العربية والأعياد والمناسبات الدينية الأخرى.
ومع ظهور الهلال في السماء، يعلن المسلمون في أرجاء العالم بدء شهر رمضان، ويبدأون طقوس هذا الشهر، من الصوم والصلاوات، إلى الأطباق الخاصة، التي تتصدرها حلوى القطايف.
القطايف: الهلال القابل للأكل
تستحق القطايف الانتباه، فهي ليست مجرد حلوى، بل تمثل هوية رمضانية قديمة.
يرجع تاريخها إلى العصر الأموي أو العباسي، بينما تكثر الروايات في أصولها التاريخية، ويقال إنها كانت تُقدم أيضاً في القصور الملكية. وقد اختيرت القطايف لتكون الحلوى الرمضانية استناداً إلى مرجعها الأموي.
ووفقًا لبعض الروايات، فإن الخليفة عبد الملك بن مروان أصدر أمراً بتحضير حلوى خاصة لشهر رمضان، حيث تكون سهلة التحضير وذات طعم لذيذ يتناسب مع متطلبات الصائمين، فتتم إعداد القطايف واعتمادها للشهر الفضيل.
تقول الروايات أيضاً إن الطهاة كانوا يتنافسون في تحضير الحلويات، لا سيما القطايف، وكان الضيوف يتوقون إليها بشغف، بينما يُرجع بعض المؤرخين أصل تسمية القطايف بهذا الاسم لتشابه ملمسها مع ملمس قماش القطيفة.
وبحسب متخصصين في التراث الثقافي، استطلعت بي بي سي آرائهم بشأن تضارب الروايات التاريخية، فقد أجمعوا على أن غياب التوثيق التاريخي الدقيق حول العادات الرمضانية وحياة الناس الاجتماعية في العصور السابقة سبب هذا التضارب، ومنع تحديد أصول العديد من الأمور في الثقافات القديمة، بحسب إفاداتهم.
ونشير إلى أن إعداد القطايف في مصر ودول بلاد الشام خلال شهر رمضان، هي فطيرة مصنوعة من عجينة سائلة مخبوزة ومجمعة بالجبن أو الجوز أو القشطة ومطعمة بالقطر، وتؤكل إما مقلية بالزيت، أو مشوية بالفرن، أو باردة بعد حشوها.
المثير للاهتمام أن القطايف، بعد أن تُحضر عجينتها، تطوى على شكل هلال عند حشوها، مما يعزز ارتباطها البصري بالهلال السماوي.
التقاء الرمزين: روحانيات وزينة ومذاق رمضاني
يقول هاني قويلدر، وهو شيف تنفيذي، إن القطايف حلوى تقليدية شامية تعود للعصور الوسطى، وتم اختيارها لتكون حلاوة رمضان الأساسية لعدة أسباب؛ من بينها التراث الثقافي لبلاد الشام، حيث انتقلت من جيل إلى جيل، كما أنها سهلة التحضير.
وتقول الشيف ربا الزعبي، وهي مؤسسة أكاديمية أردنية لتدريب فنون الطهي، إن الشكل الهلالي للقطايف ليس مجرد مظهر جمالي، بل يسهل تحضيرها بشكل متناسق.
وتضيف أن العجين عند شكله هلالاً بعد صبه دائرياً نضمن توزيع الحشوة بشكل متوازن، مما يمنحها مظهراً جذاباً ويحافظ على تناسق الحجم والشكل عند القلي أو الخبز. وتؤكد قويلدر لبي بي سي أن شكل القطايف مرتبط بالرمزية الإسلامية ويعكس التراث الثقافي والغذائي لبلاد الشام، حيث تعتبر جزءاً من تقاليد المنطقة. من جانبها، توضح الزعبي أن هذا الشكل الثابت للقطايف على مر السنين يعود إلى تقاليد راسخة يصعب تغييرها، إذ أصبحت القطايف جزءاً أساسياً من طقوس شهر رمضان وتراثه الثقافي.
"إن تغيير شكل القطايف، يفقد الحلوى رمزيتها الدينية والثقافية المرتبطة بالشهر الفضيل"، بحسب الزعبي.
وفي حديثها عن تأثير الشكل الهلالي للقطايف، توضح الشيف ربا الزعبي أن هذا التصميم لا يقتصر على الجانب الجمالي فقط، بل يمتد ليؤثر على الطهي والقوام وحتى طريقة التقديم.